نبذة عن المقام العراقي :
*************
بقلم حربي محســـن :
.................
المقام صيغة من صيغ الغناء في العراق ، له من الأصول الثابتة والمتوارثة ما يؤهله لأن يدخل ضمن ما يسمى بالموسيقا التقليدية . إن أول كتاب ظهر عن المقام العراقي هو للباحث هاشم محمد الرجب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، وقد عرف غناء المقام في المدن الرئيسة التالية : بغداد ، كركوك ، الموصل ، ومُورسَ في مدن أخرى مثل : ديالى، الحلة ، كربلاء ، البصرة ، ولكن في حدود ضيقة وليس في مثل الآفاق الواسعة التي عرف بها المقام في بغداد التي كانت مصدر نشأته وغنائه وتطوره عبر الأجيال ، والمقام في تفسيره الفني صيغة متميزة في المسار النغمي في العراق يعتمد في شكله على عاملين أساسيين هما الصوت ( النغم ) والزمن ( الإيقاع ) الداخلي للمسار المقامي . عادةً يطلق تسمية ( القارئ )على مؤدي المقام لأن المقام العراقي يصنف ضمن الموسيقا الصوفية والدينية . للمقام العراقي أصولٌ نغمية خاصة يجب على القارئ أن يلتزم بها لكنه بالتأكيد يحاول إضفاء شخصيته وأسلوبه الخاص على تلك الأصول وصولاً إلى تمايز في الأداء بين قارئ وآخر، وهذه الأصول تسمى بأركان المقام وهي خمسة أركان :
1 ـ التحرير : ونعني به بداية غناء المقام ، وعادة يبدأ القارئ في الغناء باستخدام كلمة متفق عليها عند بقية القرّاء الآخرين مثل كلمة : يار، يادمن ، ياليل ، يا عي ن.
2 ـ القطع والأوصال : أي الانتقالات النغمية وفيها تبرز الإمكانيات المعرفية لأصول المقامات عند كل قارئ ، وكذلك الإمكانيات الأدائية والقدرة على الإبداع الغنائي .
3 ـ الجلسة : وهي حركة معينة ينزل بها القارئ إلى درجة الاستقرار وذلك للتهيؤ للصعود إلى الجوابات العالية .
4 ـ الميانات : ونقصد بها الغناء بالطبقات العالية وفق أسس متفق عليها ولكل مقام ميانة أو ميانتين وربما ثلاث ميانات كما في مقام الرست .
5 ـ التسليم : وهي حركة الرجوع إلى درجة الاستقرار أي الانتهاء من قراءة المقام .
يرافق قارئ المقام فرقة موسيقية صغيرة يُطلق عليها تسمية ( الجالغي البغدادي ) ، وهي كلمة تركية الأصل تعني ( جماعة الملهى ) ولكون مدينة بغداد هي الينبوع الأساس للمقام العراقي فقد سميت هذه الفرقة بهذا الاسم ، تتألف هذه الفرقة من عازفي الآلات الموسيقية التراثية ( الجوزة ، السنطور، الطبلة ، الرق ، النقارة ) ، ويفترض بعازفي هذه الفرقة أن يُلِّموا بطريقة أداء آلاتهم ويعرفوا تقنيتها الخاصة في حدود الأداء الملائم لأبعاد المقامات والبستات والمقطوعات الموسيقية البسيطة التي كانت تؤدى خلال طقوس أداء المقام العراقي ، ويشترط كذلك أن يكونوا ممن يتمتعون بجمال الصوت وحسن الأداء لأن مهمتهم كانت العزف إلى ترديد البستات التي تغنّى في نهاية كل مقام وذلك لمنح القارئ الاستراحة ومن ثم التهيؤ لقراءة مقام آخر، أما بالنسبة للنصوص التي كانت تقرأ مع المقامات، فهي تختلف من مقام لآخر حيث أن هنالك مقامات تقرأ بالشعر العربي الفصيح وأخرى بالشعر العامي المعروف بالموال البغدادي ( الزهيري المسبّع ) أي المكوّن من سبعة أشطر، أما من الناحية الفنية الموسيقية ، فهنالك مقامات تؤدى بمصاحبة الإيقاعات العراقية من البداية إلى النهاية وبعضها بدون مرافقة للإيقاع ، ومن الجدير بالذكر أن عدد المقامات العراقية يقارب الـ( 53 ) مقاماً ، كان المقام العراقي يمارس وإلى فترة متأخرة من تأريخنا المعاصر ضمن الصيغ التالية : المولد النبوي والأذكار، التمجيد على المنابر، المجالس والمقاهي .
إنَّ لقرّاء المقام مدارسهم التي ينتمون إليها ، يتدارسونه ويروونه بأمانة وعناية بالترتيل والحفظ دون أن يكون لديهم مدونات أو مراجع أو مصادر يرجعون إليها كالنوتة مثلاً لصيانة وتثبيت كيان " مقامهم " برتبه ودرجاته وتحريره وتسليمه وأفرعه وأوصاله ومياناته وما إلی ذلك مما ينبغي المحافظة عليه .
أما أهم المطربين المعاصرين لعدة أجيال عراقية والذين لهم الريادة في هذا الفنِّ ، فنُّ المقام العراقي ، « محمد الكبنجي ـ أو القبانجي » ـ البغدادي الأصل ، له طريقته الخاصة في الغناء بما يسحر الألباب ويستهوي النفوس وهو من المجددين ، حيث أدخل قطعاً من الغناء الحديث في بعض ما يؤديه من مقامات خلافاً لما يرتأيه كثير من أهل المقام في ذلك ، حيث يعتبر التجويد في المقام العراقي هو المحافظة علی ترتيبه وقطعه وإمكانية أدائه ، كما وصلنا من أئمته لصيانة هيكله كمقام عراقي أصيل ! إلا أنَّ الفنان الراحل خرج بتحديدات عديدة أهمها أنه ابتدع وابتكر المقام الجديد والذي سماه هو بمقام ( اللامي ) ، إضافةً إلی أنه كان يجودّ المقامات الصعبة الأداء ( كالحجاز وكاركرد وحجازكرد والنهاوند والقطر) ، إضافةً إلی أنه كان شاعراً وأديباً وإنساناً عراقياً وطنياً وتمَّ منحه ( وسام الرافدي ن) من قبل الملك فيصل الثاني عام 1952، وهو رائد كبير في المقامات العراقية الأصيلة وقد توفي عام 1988 في 14 نيسان ( ابريل ) ودفن في الجامع الذي شيَّده هو علی حسابه الخاص في " حيِّ الحارث ية " مقابل معرض بغداد الدولي ، وكان يحمل لقب مطرب العراق الأول قرابة نصف قرن وحتى الآن مع الراحل عزيز علي رائد الغناء السياسي الشعبي ، وقد اشتهر الرائد الكبير بقوة حافظته وكثرة ارتجاله للشعر ساعة الغناء ، كما اشتهر برخامة صوته وقوته مع عذوبته وبمقامه الوطني في المناسبات الوطني ة.
و من قرّاء المقام المعروفين في نصف القرن الماضي ، فهم المطرب ( يوسف عمر وناظم الغزالي وحسن خيوكة وعبد الرحمن خضير) وغير هم ممن كان لهم دور هام في تطوير المقام إبداعياً علی مدی الأجيال، وهم قمم إبداعية .
أما أبرز المطربين الآن في المقام ، فهو فؤاد سالم الذي طوَّر بعض الأغاني وطوَّعها مع أدائه للمقام وهو ذو حنجرة ذهبية صافية العذوبة ، كذلك لابد أن نشير إلی الفنانة فريدة محمد قارئة المقام البغدادي والتي تملك صوتاً رخيماً وعذباً ويطور لها الملحنون الأغاني والبستات العراقية القديمة والجديدة .
>> منقول <<
08 ـ 12 ـ 11