أزمــــــة أخـــــــلاق
لو أردنا أن نعبر عن الأزمة التي يعانيها الإنسان المسلم تعبيراً دقيقاً لم نجد أفضل من التعبير عنها بأنها(أزمة أخلاقية) وقد يكون هذا تفسيراً معقولاً للوضع المتجمد الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية في داخل ذاتها والذي ولد انفصاماً وانفصالاً في العلاقات الذاتية بين أُسر المسلمين ومن خلاله بدأت النظرة التشاؤمية إلى الدين الإسلامي بأنه دين التخلف والرجعية وأن هذا الدين عاجز بأن يقدم للإنسان مناعة روحية،وأن الدين الإسلامي في نظر هؤلاء مجرد قانون أكل عليه الدهر وشرب،ومن هنا نفهم لماذا يبتعد الناس وخاصة الشباب عن الدين بدلاً من اتخاذه وسيلة لرقي الإنسان في عالم الدنيا والآخرة.
ومن خلال هذه المقدمة نعرف البون الشاسع بين الواقع الإسلام قانوناً وتشريعاً وبين واقع المسلمين أخلاقاً وحياةً فكل هذه الموجودات في عالم الإمكان تسير نحو تكاملها الخاص بها من حيوان ونبات وجماد،وللإنسان تكامل خاص به ولذا جعل الله بينه وبين عباده رسل وأنبياء حتى يستطيعوا تنظيم حياة البشر وحفظ حقوقهم والوصول بهم إلى تكاملهم ولكن هل اختلفت الدعوة من نبي لآخر أم أنها كانت ذات مفهوم واحد وإن اختلفت مصاديقها؟
لا شك بأن هناك عامل مشترك وهو الهدف الرئيسي والركيزة الأساسية للأنبياء عليهم السلام وهي التقوى،بل هي الطريق الوحيد للنجاة والوصول إلى درجات السعادة والنجاة من الهلكة والشقاء لكافة الأمم السابقة والحالية ولكن مع الأسف الشديد أن قوم النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم سائرون مسيرهم وسيردون موردهم لا يؤمن أكثرهم فيؤاخذهم الله تعالى بعقوبة العاجل والآجل والدليل على ذلك ختم كل واحدة من القصص بقوله تعالى
(وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وإن ربك لهو الغفور الرحيم)) فحقيقة هذا الدين هو مكمل لرسالة الأنبياء السابقين فهو يتكفل بتنظيم حياة الناس على أساس العدل وعدم الاعتداء على الآخرين وإعطاء كل إنسان دوره في الحياة وليس مجرد أسم نضعه في هويتنا الشخصية،بل هو عقيدة وعمل،إيمان بالجوانح وعملاً بالجوانح ولا شك أيها الأخوة أن الهدف الأكبر في الرسالة الخاتمة على رسولها أفضل الصلاة والسلام هو تحقيق القيم والمفاهيم في حياة الفرد المسلم وأن(الأخلاق) هي القاعدة الأساسية التي أرتكزت عليها شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحاول دائماً أن توفق بين متطلبات الروح والجسد وتوازن بين مسؤولية الفرد والجماعة ولا يؤثر جانب على آخر.
فالأخلاق بالنسبة للمجتمع صلة العلة بالمعلول والقاعدة بالبناء أو ما شئت فعبر وكما جاء عن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله حاكياً عنه القرآن((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).